Oct 2022
استعمار المخيّلة
على وجوه عديدة، صرّف الأسعد مفردة الاستعمار. أبرزها بلا شك تعبير استعمار المخيّلة، ولكن نجد أيضاً في متنه تركيبات أُخرى مثل: استعمار الذاكرة، استعمار التسميات، استعمار الوعي (...) وغير خاف أن جميع هذه التركيبات تدور حول الفكرة التي تؤدّيها عبارة "استعمار المخيّلة".
يعي الأسعد بحضور "استعمار المخيّلة" في ما يكتب، حتى إنه أرّخ لتلقّيه الذاتي للمفهوم، إذ يقول في مقال بعنوان "الاستعمار بوصفه استهلاكاً للصور": "مرّ بي تعبير 'استعمار المخيّلة' لأوّل مرّة على هيئة عنوان مقالة للتشكيلي ستيف سابيلا، ابن القدس المُقيم في ألمانيا، يصف فيها حالة من الإحباط والهزيمة في العالم العربي، وكيف بدا له آنذاك أن الناس وقعوا في مصيدة، وأُخضعوا لشكل جديد من أشكال سلطة استعمارية لا تسعى إلى احتلال المكان والناس مادياً؛ بقدر ما تستهدف غزو مخيّلتهم وتقود إلى تشكيل نظام دولي جديد. أو بكلمة مختصرة، ما كنّا نشهده، كما يقول، هو غزو واستعمار المخيّلة، ويصيب هذا النوع من الاستعمار الناس بشلل مادّي وفكري في منتهى القسوة. فهو يقيّد النمو ويلغي كلّ فكرة عن الحرية الشخصية".
ويتابع: "يبدو أنني كنتُ مهيّأً لالتقاط دلالة هذا التعبير ومدلوله من تجربة بصرية كنت أمرّ بها؛ أعني تجربة إعادة قراءة رسوم الفنّان ناجي العلي، ابن قرية الشجرة في الجليل الفلسطيني، في ضوء تشكّل صورة 'الفلسطيني الجديد'، الفلسطيني السعيد بوظيفة السقّاء والحطّاب التي منحه إياها المستعمِر الصهيوني. كانت رسوم ناجي الكاريكاتورية تحرّر المخيّلة من استعمار مماثل لما تحدّث عنه سابيلا".
بهذا المفهوم بات الأسعد يقرأ النصوص والصور والممارسات والوقائع، وهي جميعها مرتبطة لديه بحبال سرّية كثيراً ما يسعى لكشفها، كإشارته هذه في مقال وسمه بـ"نهاية استعمار المخيّلة"، يقول فيه: "حين تم تشويه الخريطة الفلسطينية، وتمت تسمية ما نسبته 80% من أرض فلسطين باسم المستعمرة المقامة عليها، 'إسرائيل'، بدأ تشويه الوعي الفلسطيني، وبدأ استعمار مخيّلته بعد أن اكتمل استعمار أرضه أو كاد".
Leave a comment